كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فغفرنا له ذلك} أي: ما استغفر منه {وإن له عندنا لزلفى} أي: زيادة خير في الدارين بعد المغفرة {وحسن مآب} أي: مرجع في الجنة.
ولما تم الكلام في شرح القصة أردفها ببيان أن الله تعالى فوض إلى داود خلافة الأرض بقوله تعالى: {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض} أي: تدبر أمر العباد بأمرنا وهذا من أقوى الدلائل على فساد القول الأول كما مر لأن من البعيد جدًّا أن يوصف الرسول بكونه ساعيًا في سفك دماء المسلمين رغبة في انتزاع أزواجهم من أيديهم ثم يذكر عقبه أن الله تعالى فوض خلافة الأرض إليه، ثم في تفسير كونه خليفة وجهان:
أحدهما: جعلناك تخلف من تقدمك من الأنبياء في الدعاء إلى الله تعالى وفي سياسة الناس لأن خليفة الرجل من يخلفه وذلك إنما يعقل في حق من تصح عليه الغيبة وذلك على الله تعالى محال.
ثانيهما: إنا جعلناك ممكنًا في الناس نافذ الحكم فيهم فبهذا التأويل يسمى خليفة ومنه يقال: خليفة الله تعالى في أرضه.
وحاصله: أن خليفة الرجل يكون نافذ الحكم في رعيته وحقيقة الخلافة ممتنعة في حق الله تعالى فلما امتنعت الحقيقة جعلت اللفظة للزوم نفاذ الحكم في تلك الحقيقة {فاحكم بين الناس} أي: الذين يتحاكمون إليك من أي قوم كانوا {بالحق} أي: بالعدل لأن الأحكام إذا كانت مطابقة للشريعة الحقة الإلهية انتظمت مصالح العالم واتسعت أبواب الخيرات وإذا كانت الأحكام على وفق الأهوية وتحصيل مقاصد الأنفس أفضى ذلك إلى تخريب العالم ووقوع الهرج فيه والمرج في الخلق وذلك يفضي إلى هلاك ذلك الحاكم ولهذا قال تعالى: {ولا تتبع الهوى} أي: لا تمل مع ما تشتهي إذا خالف أمر الله تعالى ثم سبب عنه قوله تعالى: {فيضلك} أي: ذلك الاتباع أو الهوى {عن سبيل الله} لأن متابعة الهوى توجب الضلال عن سبيل الله والضلال عن سبيل الله يوجب سوء العذاب {إن الذين يضلون عن سبيل الله} أي: عن الإيمان بالله تعالى: {لهم عذابٌ شديدٌ بما نسوا} أي: بسبب نسيانهم {يوم الحساب} أي: المرتب عليه تركهم الإيمان ولو أيقنوا بيوم الحساب لآمنوا في الدنيا، وقال الزجاج: بتركهم العمل لذلك اليوم، وقال عكرمة والسدي: في الآية تقديم وتأخير تقديره لهم عذاب شديد يوم الحساب بما نسوا أي: تركوا القضاء بالعدل.
{وما خلقنا السماء} التي ترونها {والأرض وما بينهما} أي: مما تحسون به من الرياح وغيرها خلقًا {باطلًا} أي: عبثًا قال الله تعالى: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون} تنبيه:
احتج أهل السنة بأن هذه الآية تدل على أنه تعالى خلق كل ما بين السماء والأرض وأعمال العباد مما بين السماء والأرض فوجب أن يكون تعالى خالقًا لها، ودلت على صحة القول بالحشر والنشر لأنه تعالى لما خلق الخلق في هذا العالم فإما أن يكون خلقهم للإضرار والانتفاع أو لا لشيء، والأول باطل لأن ذلك لا يليق بالرحيم الكريم، والثالث أيضًا باطل، لأن هذه الحالة حاصلة خالصة حين كانوا معدومين فلم يبق إلا أن يقال: خلقهم للانتفاع وذلك الانتفاع إما أن يكون في حياة الدنيا أو في حياة الآخرة. والأول باطل لأن منافع الدنيا قليلة ومضارها كثيرة وتحمل الضرر الكثير لوجدان المنفعة القليلة لا يليق بالحكمة، ولما بطل هذا القول ثبت القول بوجود حياة بعد هذه الحياة الدنيا وذلك هو القول بالحشر والنشر والقيامة.
تنبيه:
يجوز في باطلًا أن يكون نعتًا لمصدر محذوف أو حالًا من ضميره أي: خلقًا باطلًا وأن يكون حالًا من فاعل خلقنا أي: مبطلين أو ذوي باطل وأن يكون مفعولًا من أجله أي: للباطل وهو العبث {ذلك} أي: خلق ما ذكر لا لشيء {ظن الذين كفروا} أي: أهل مكة هم الذين ظنوا أنهما خلقا لغير شيء وأنه لا بعث ولا حساب {فويل} أي: هلاك عظيم بسبب هذا الظن أو واد في جهنم {للذين كفروا} أي: مطلقًا بهذا الظن وغيره من أي شرك كان {من النار} لأن من أنكر الحشر والنشر كان شاكًا في حكمة الله تعالى في خلق السموات والأرض.
ونزل لما قال كفار مكة للمؤمنين إنا نعطى في الآخرة مثل ما تعطون.
{أم نجعل} أي: على عظمتنا {الذين آمنوا} أي: امتثالًا لأوامرنا {وعملوا الصالحات} تحقيقًا لإيمانهم {كالمفسدين} أي: المطبوعين على الفساد والراسخين فيه {في الأرض} أي: في السفر وغيره لم نجعلهم مثلهم وأم منقطعة والاستفهام فيها لإنكار التسوية بين الحزبين التي هي من لوازم خلقها باطلًا ليدل على نفيه وكذا التي في قوله تعالى: {أم نجعل المتقين كالفجار} كرر الإنكار الأول باعتبار وصفين آخرين يمنعان التسوية، أولًا بين المؤمنين والكافرين ثم بين المتقين من المؤمنين والمجرمين منهم وقوله تعالى: {كتاب} خبر مبتدأ مضمر أي: هذا كتاب ثم وصفه بقوله تعالى: {أنزلناه} أي: بما لنا من العظمة {إليك} يا أشرف الخلق {مبارك} أي: كثير خيره ونفعه، وقوله تعالى: {ليدبروا} أصله ليتدبروا أدغمت التاء في الدال {آياته} أي: ليتفكروا في أسراره العجيبة ومعانيه اللطيفة فيأتمروا بأوامره ومناهيه فيؤمنوا {وليتذكر} أي: وليتعظ به {أولو الألباب} أي: أصحاب العقول.
القصة الثانية: قصة سليمان عليه السلام المذكورة في قوله تعالى: {ووهبنا} أي: بما لنا من العظمة {لداود سليمان} ابنه فجاء عديم النظير في ذلك الزمان دينًا ودنيا وعلمًا وحكمة وعظمة ورحمة، والمخصوص بالمدح في قوله تعالى: {نعم العبد} محذوف أي: سليمان، وقيل: داود {إنه أواب} أي: رجاع إلى التسبيح والذكر في جميع الأوقات.
{إذ} أي: اذكر إذ {عرض عليه} أي: سليمان، وقوله تعالى: {بالعشي} وهو ما بعد الزوال إلى الغروب، وقوله تعالى: {الصافنات} أي: الخيل العربية الخالصة جمع صافنة وفيه خلاف بين أهل اللغة فقال الزجاج: هو الذي يقف على إحدى يديه ويقف على طرف سنبكه وقد يفعل ذلك بإحدى رجليه قال وهي علامة الفراهة فيه وأنشد:
ألف الصفون فلا يزال كأنه ** مما يقوم على الثلاث كسيرا

وقيل: هو الذي يجمع يديه ويسويهما، وقيل: هو القائم مطلقًا أي: سواء كان من الخيل أم من غيرها قاله القتيبي واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم «من سره أن تقوم الناس له صفونًا فليتبوأ مقعده من النار» أي: يديمون له القيام وجاء الحديث قمنا صفونًا أي: صافين أقدامنا، وقيل: هو قيام الخيل مطلقًا، أي: سواء وقف على طرف سنبكه أم لا، قال الفراء: على هذا رأيت أشعار العرب، واختلف أيضًا في قوله تعالى: {الجياد} فهي إما من الجودة ويقال: جاد الفرس يجود جودة وجودة بالفتح والضم فهو جواد للذكر والأنثى، وهو الذي يجود في جريه بأعظم ما يقدر عليه، والجمع جياد وأجواد وأجاويد، وقيل: جمع لجود بالفتح كثياب وثوب، وإما من الجيد وهو العنق، والمعنى: طويلة الأجياد وهو دال على فراهتها.
قال الكلبي: غزا سليمان أهل دمشق ونصيبين فأصاب منهم ألف فرس، وقال مقاتل: ورث سليمان من أبيه داود ألف فرس، وقال عوف عن الحسن: بلغني أنها كانت خيلًا خرجت من البحر لها أجنحة، وعن عكرمة: أنها كانت عشرين ألف فرس لها أجنحة فصلى سليمان الصلاة الأولى التي هي الظهر وقعد على كرسيه وهي تعرض عليه منها تسعمائة فرس فتنبه لصلاة العصر فإذا الشمس قد غربت وفاتته الصلاة ولم يعلم بذلك هيبة له فاغتم لذلك.
{فقال إني أحببت} أي: أردت {حب الخير} أي: الخيل {عن ذكر ربي} أي: صلاة العصر {حتى توارت} أي: الشمس {بالحجاب} أي: استترت بما يحجبها عن الأبصار.
{ردوها علي} أي: الخيل المعروضة، وقيل: الضمير يرجع للشمس، قال الرازي: وهذا بعيد لوجوه.
الأول: أن الصافنات مذكورة بالصريح والشمس غير مذكورة وعود الضمير إلى المذكور أولى من عوده إلى المقدر.
وثانيها: أنه لو اشتغل بالخيل حتى غربت الشمس وفاتته صلاة العصر كان ذلك ذنبًا عظيمًا ومن كان هذا حاله فطريقه التضرع والبكاء والمبالغة في إظهار التوبة، فأما أن يقول على سبيل العظمة لرب العالمين مثل هذه الكلمة العارية عن كل جهات الأدب عقب ذلك الجرم العظيم الذي لا يصدر عن أبعد الناس عن الخير فكيف يجوز إسناده للرسول عليه السلام المطهر المكرم.
ثالثها: أن الشمس لو رجعت بعد الغروب لصار ذلك مشاهدًا لكل أهل الدنيا ولو كان كذلك لتوفرت الدواعي على نقله وحيث لم ينقل علمنا فساده، انتهى. قال أكثر المفسرين: فلما ردوا الخيل إليه أقبل يضرب سوقها وأعناقها بالسيف أخذًا من قوله تعالى: {فطفق مسحًا} أي: فأخذ يمسح السيف مسحًا {بالسوق والأعناق} أي: سوقها وأعناقها يقطعها من قولهم: مسح علاوته إذا ضرب عنقه، قالوا: فعل ذلك تقربًا إلى الله تعالى وطلبًا لمرضاته حيث اشتغل عن طاعته وكان ذلك مباحًا له وإن كان حرامًا علينا كما أبيح لنا ذبح بهيمة الأنعام وبقي منها مائة فرس فما بقي في أيدي الناس اليوم من الخيل من نسل تلك المائة.
قال الحسن: فلما عقر الخيل أبدله الله تعالى خيرًا منها وأسرع وهي الريح تجري بأمره كيف شاء، قال الرازي: وهذا عندي بعيد لوجوه.
الأول: أنه لو كان مسح السوق والأعناق قطعها لكان معنى فامسحوا برؤوسكم أي: اقطعوها وهذا لا يقوله عاقل بل لو قيل: مسح رأسه بالسيف فربما فهم منه ضرب العنق أما إذا لم يذكر لفظ السيف لم يفهم منه البتة من المسح العقر والذبح.
الثاني: أن القائلين بهذا القول أجمعوا على أن لسليمان عليه السلام أنواعًا من الأفعال المذمومة فأولها: ترك الصلاة وثانيها: أنه استولى عليه الإشتغال بحب الدنيا حتى نسي الصلاة وقال صلى الله عليه وسلم «حب الدنيا رأس كل خطيئة» وثالثها: أنه بعد الإتيان بهذا الذنب العظيم لم يشتغل بالتوبة والإنابة البتة. ورابعها: أنه خاطب رب العالمين بقوله: ردوها علي وهذه كلمة لا يقولها الرجل الحصيف إلا مع الخادم الخسيس. وخامسها: أنه اتبع هذه المعاصي بعقر الخيل في سوقها وأعناقها، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذبح الحيوان إلا لأكله، وهذه أنواع من الكبائر ينسبونها إلى سليمان عليه السلام مع أن لفظ القرآن لم يدل على شيء منها، وخلاصتها: أن هذه القصص إنما ذكرها الله تعالى عقب قوله: {وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب} وأن الكفار لما بالغوا في السفاهة إلى هذا الحد قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ثم ذكر عقبه قصة سليمان عليه السلام فقال تعالى: {ووهبنا لداود سليمان} الآية والتقدير: أنه تعالى قال لمحمد صلى الله عليه وسلم يا محمد اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا سليمان، وهذا الكلام إنما يليق إذا قلنا: إن سليمان عليه السلام أتى في هذه القصة بالأعمال الفاضلة والأخلاق الحميدة وصبر على طاعة الله تعالى وأعرض عن الشهوات واللذات، فلو كان المقصود من قصة سليمان عليه السلام في هذا الموضع أنه أقدم على الكبائر العظيمة والذنوب لم يكن ذكر هذه القصة لائقًا.
قال: والصواب: أن تقول إن رباط الخيل كان مندوبًا إليه في دينهم كما هو في دين محمد صلى الله عليه وسلم ثم إن سليمان عليه السلام احتاج إلى الغزو فجلس وأمر بإحضار الخيل وأمر بإجرائها وذكر أني لا أجريها لأجل الدنيا ونصيب النفس وإنما أجريها لأمر الله تعالى وطلب تقوية دينه وهو المراد من قوله: {عن ذكر ربي} ثم إنه عليه السلام أمر بإجرائها وسيرها حتى توارت بالحجاب أي: غابت عن بصره ثم إنه أمر الرابضين أن يردوها فردوا تلك الخيل إليه، فلما عادت إليه طفق يمسح سوقها وأعناقها والغرض من ذلك أمور:
الأول: تشريفًا لها وإبانة لعزتها لكونها من أعظم الأعوان في دفع العدو.
الثاني: أنه أراد أن يظهر أنه في ضبط السياسة والملك يتضع إلى حيث يباشر أكثر الأمور بنفسه.
الثالث: أنه كان أعلم بأحوال الخيل ومراميها وعيوبها فكان يمسها ويمسح لها سوقها وأعناقها حتى يعلم هل فيها ما يدل على المرض، فهذا التفسير هو الذي ينطبق عليه لفظ القرآن ولا يلزم منه نسبة شيء من المنكرات إلى سليمان عليه السلام والعجب منهم كيف قبلوا هذه الوجوه السخيفة مع أن العقل والنقل يردها وليس لهم في إثباتها شبهة فضلًا عن حجة.
قال: فإن قيل فالجمهور فسروا الآية بتلك الوجوه فالجواب أن نقول: لفظ الآية لا تدل على شيء من تلك الوجوه التي يذكرونها لما ذكرنا وأيضًا فإن الدلائل الكثيرة قامت على عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولم يدل على صحة هذه الحكايات دليل قطعي ورواية الآحاد لا تصلح معارضة للدلائل القوية فكيف الحكايات من أقوام لا يلتفت إلى أقوالهم والذي ذهبنا إليه قول الزهري وابن كيسان ا. ه، وقد يجاب من جهة الجمهور أن ما نسبه إليهم ممنوع.
وبيان ذلك أن قوله: إذا لم يذكر لفظ السيف لم يفهم منه البتة من المسح العقر والذبح يقال: القرينة كافية في ذلك وقوله أنهم جمعوا أنواعًا مذمومة أولها: ترك الصلاة إنما يكون ذلك مذمومًا إذا تركها متعمدًا ولم يكن ذلك بل نسيها وقد نام صلى الله عليه وسلم في الوادي حتى طلعت الشمس وقضى الصبح والنسيان والنوم لا مؤاخذة فيهما، وقوله: ثانيها: أنه استولى عليه الاشتغال بحب الدنيا إنما اشتغل بذلك لأمر الجهاد وهو مطلوب في حقه، وقوله: ثالثها: أنه لم يشتغل بالتوبة يقال: إنه لم يأت بذنب، وقوله: رابعها: أنه خاطب رب العالمين بقوله: ردوها علي ممنوع والمخاطب إنما هو جماعته، وقوله: خامسها إلى أن قال: وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عقر الحيوان قد مر عنهم أن ذلك كان مباحًا له فليس فيما قالوه نسبة سليمان عليه الصلاة والسلام إلى معصية فلو قال: الأولى أن يقال: كذا كان أولى، وقرأ قنبل بهمزة ساكنة بعد السين وقيل عنه أيضًا بضم الهمزة وواو بعدها، واختلف في سبب الفتنة التي وقعت لسليمان عليه السلام في قوله تعالى: {ولقد فتنا سليمان وألقينا} أي: بما لنا من العظمة {على كرسيه جسدًا ثم أناب} فقال محمد بن إسحاق: عن وهب بن منبه قال: سمع سليمان بمدينة في جزيرة من جزائر البحر وكان الله تعالى قد أعطى سليمان في ملكه سلطانًا لا يمتنع عليه شيء في بر ولا بحر إنما يركب إليه الريح، فخرج إلى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء حتى نزل بها بجنوده من الجن والإنس، فأخذها وقتل ملكها وسبا ما فيها وأصاب فيما أصاب بنتًا لذلك الملك يقال لها جرادة لم ير مثلها حسنًا وجمالًا فاصطفاها لنفسه ودعاها إلى الإسلام فأسلمت على جفاء منها وقلة فقه، وأحبها حبًا لم يحبه شيئًا من نسائه وكانت على منزلتها عنده لا يذهب حزنها ولا يرقأ دمعها فشق ذلك على سليمان عليه السلام.
فقال لها: ويحك ما هذا الحزن؟ قالت له: إن أبي أذكره وأذكر ملكه وما كان فيه وما أصاب فيحزنني ذلك فقال لها سليمان عليه السلام: قد أبدلك الله ملكًا هو أعظم من ملكه وسلطانًا هو أعظم من سلطانه وهداك إلى الإسلام وهو خير من ذلك كله، قالت: إن ذلك كذلك ولكن إذا ذكرته أصابني ما ترى من الحزن فلو أنك أمرت الشياطين فصوروا صورته في داري أراها بكرة وعشيًا لرجوت أن يذهب ذلك حزني، فأمر سليمان عليه السلام الشياطين فمثلوا لها صورة أبيها فعمدت إليه حين صنعوه وألبسته ثيابًا مثل ثيابه التي كان يلبسها، ثم كانت إذا خرج سليمان عليه السلام تذهب إليه مع ولائدها فتسجد له ويسجدن معها له تبعًا لها كما كانت تصنع في ملكه، وسليمان عليه السلام لا يعلم بشيء من ذلك أربعين صباحًا، فبلغ ذلك آصف بن برخيا وكان صديقًا لسليمان عليه السلام وكان لا يرد عن أبواب سليمان عليه السلام أي ساعة أراد دخول شيء من بيوت سليمان عليه السلام حاضرًا كان سليمان عليه السلام أو غائبًا.